عكس السير - غسان سعود
أنهى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حزب الله، عسكرياً وأمنياً وتنظيمياً وسياسياً؛ محاه من الجغرافيا والتاريخ. قطع قادته وذكر شهدائه وعوائل شهدائه أيضاً، ولن تقوم له أو لهم قائمة.
قبل الحزب، «نتف» جعجع التيار الوطني الحر، وبعده بدأ يعدّ العدّة لالتهام حركة أمل بشحمها ولحمها. حفلات الشواء في معراب عامرة، لا تكاد تنتهي سهرة حتى تبدأ أخرى. الاستثمار في شركات الـ«كايترنغ» أضعاف ما الاستثمار في الدراسات، والبحث دائم عمن يضيء الصالات والأحراش بدل إضاءة العقول. حسمت القوات قرار استبدال نائبها المزارع الكسرواني الخلوق شوقي دكاش بوحش الإضاءة والصوت والمهرجانات فادي فياض. من يحتاج لمهندس زراعي في مجلس النواب طالما أنه قادر على إيصال من حوّل نهر الكلب، بكل رمزيته الوطنية والدينية، إلى نهر آخر للغناء والطبل والزمر.
لكن، لنعد الى الأساس: ينقسم العراقيون بشأن «المسكوف»، بين من يشوي السمكة حيّة بعد شقها من الظهر لتتبيلها، ومن يذبحها وينظّفها ثم يتبّلها بالليمون والثوم والكزبرة. أما في معراب فيجري إعداد العدّة لـ«شوي» الرئيس نبيه بري، بعد سلخه وتبهيره ونقعه بالخل لتليين لحمه. ويقولونها بوضوح: خلال أربع سنوات، أُسقطت كل جدران الدفاع التي شيّدها رئيس المجلس على مدى أربعة عقود حول مقره لحماية نفسه.
ينسب جعجع لنفسه كل ما يفعله الإسرائيلي والأميركي، وحتى الروسي والصيني... ولولا الحياء، لقال إن زياد حواط هو من خطط لعملية الـ«بايجر»، وإن مي شدياق هي من كبست زر التنفيذ؛ لكن، بما أن الحياء مفقود، يمكن أن يقول ذلك قريباً.
يرددون يومياً أن عدم تنفيذ حزب الله ما يريده النائب غياث يزبك شخصياً، سيدفع إسرائيل إلى التدخل جواً بقوة صاروخية تدميرية لم يعرفها العالم من قبل، لمحو المتخاذلين من جذورهم. ولا يوجد معنيان للتخاذل هنا؛ المتخاذل هو من يهرول قائلاً: أمرك سيدنا. وبالمناسبة، سيدنا لا يمكن أن يكون رئيس الجمهورية جوزف عون. فالأخير عابر، فيما جعجع ثابت. جوزف عون تكتيك، فيما سمير جعجع استراتيجيا. من ألزم الروسي برفع الغطاء عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد وأمّن له ممراً جوياً آمناً إلى موسكو؟ طبعاً جعجع. من أدار من غرفة عمليات الناتو الحرب على إيران؟ أيضاً جعجع. بات للمسيحيين أخيراً بطل. ليس مهماً أن نسبة الهجرة المسيحية تواصل التحليق، وأن أعداد الطلاب المسيحيين المسجّلين في الجامعات الخاصة هذا العام أقل من العام الماضي بنحو تسعة في المئة... المهم أنه بات لديهم بطل. ليس مهماً أن يعجز مزارع التفاح في بشري عن بيع إنتاجه بسعر مقبول، المهم أن ستريدا تعطي الطلاب من أصل بشراني نصف دولار يومياً لشراء إصبع «هولز». بات للمسيحيين بطل، أو كان لهم منذ عقود بطل، لكنه احتاج بعض الوقت لاستجماع أنفاسه وإقناع القوى العظمى بالتزام تعليماته، وتدريب شارل جبور على إيصال فكرته.
والآن؟ اختار جعجع عنواناً واحداً أوحد للإنتخابات النيابية. قال للناخبين قبل بضعة أشهر إن حزب الله انتهى ولا يمكنه مناقضة نفسه أياً كان حجم الحشود في المدينة الرياضية أو تقديرات السفارات أو التقارير الصحافية الأجنبية. حزب الله انتهى ومن يجرؤ على قول غير ذلك، سيفاجأ بشارل جبور يمر من أمام منزله يوم الأحد المقبل ويضعه في الكيس الأسود ويأخذه إلى مكان بعيد، محاط بالأشجار، حيث تُصور أفلام الرعب السياسية الجديدة. وعليه، لما كان بشار الأسد قد فرّ من جعجع وقواته إلى موسكو، وحزب الله انتهى، والتيار الوطني الحر «نُتف»، لم يبق أمام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع سوى معركة واحدة: نبيه بري.
على كارلوس التدرب على أناشيد جديدة لحفلاته العامرة بشارات القوات، ضد بري هذه المرة، فيما تبحث غادة أيوب عن وسائل مبتكرة مع غوغل لمحو ما سبق أن كالته مدحاً برئيس المجلس. فبعد إنهاء الدور الاقليمي والعسكري والأمني للثنائي، أتى وقت الدور السياسي أيضاً. بدأها جعجع، ولاقته الحركة في منتصف الطريق، عن قصد أو عن غير قصد. المعركة ستكون معركة إنهاء نفوذ الثنائي الشيعي، ممثلاً بالرئيس نبيه بري، في الحياة السياسية اللبنانية. يمكن بري أن يحلم بالعودة إلى رئاسة المجلس النيابي لإنهاء حياته السياسية رئيساً للبرلمان، لكن لن يكون ذلك تحصيل حاصل، أو أمراً واقعاً لعدم وجود أي نائب شيعي من خارج سرب الثنائي. إذ سيكون هناك نائبان شيعيان، وربما أكثر، في كتلة جعجع، ما سيفتح الباب أمام التفاوض لانتزاع المزيد والمزيد من بري مقابل إعادة انتخابه.
هذا في هلوسات جعجع ومسؤوليه. أما في الواقع، فيخوض البطل الصنديد معاركه ضد هادي حبيش وسجيع عطية في عكار، وسليمان عبيد في طرابلس، ومجد حرب في البترون، والنائب الراحل فريد مكاري في الكورة، وفارس سعيد في جبيل، وحزب الكتائب في كسروان، وابراهيم كنعان في المتن، وبولا يعقوبيان في الاشرفية وسيزار معلوف في زحلة.
من الآن حتى الاستفاقة من الأحلام السياسية سنكون أمام الكثير من العنتريات والبطولات والطبل والزمر و... الجعجعة التي لا تجد، مع الأسف، من يوقفها عند حدّها. والمهم في هذا السياق هو أن لا يكلف رئيس المجلس معاونه علي حسن خليل بالردّ، لأنه لم يردّ مرة إلا وجعل الضرر أضراراً.